أحمد عبد الحسين

نصوص مختارة

شاعر من العراق

ولد في بغداد عام 1966

صدر له

  عقائد موجعة _ عن دار ألواح باسبانيا عام 1999

عمدني بنبيذ الأمواج _ لفروغ فرخ زادة ، ترجمة وإعداد

بالإشتراك مع ناطق عزيز _  إتحاد الكتاب العرب _  دمشق 2000

 

الإسم

 تحت قـوس زحـل

الإسم


ما اسمكَ ؟

أنينُ أبٍ تتعرقُ أصنامه تحتَ ابطيه، أم تحديقةُ صقرٍ يزيحُ عن العالمِ رغوةَ الظهيرة،

أمْ الأمهاتُ في صحنِ البيتِ يضمدنَ جرحَ البيت ويسندن نخلةً تتهاوى، أم أنا ـ وأنا:

أصعدُ السلمَ ـ أعمى تقتاده بسالته الى فخاخه الأربعة

الألف

الحاء

الميم

الدال

على السطح كان الهواءُ يلعب بحبل الغسيل ورملِ البروج،  كانت القمصانُ ترفرف يائسةً،

 واسمي الطفلُ خفيفاً يكاد يطير.

   

كان لي إسمٌ

وحدث اني نزلت السلمَ مسرعاً وكلي عيونٌ تبـكي ـ بعـد فوات الأوان ـ أباً يقاسـمني

الفجرَ وهسهسةَ النارِ، وسمعتُ من يهمس ورائي: إنا أنزلناه لنريه الألمَ وصريرَ الأسنان،

إنا أنزلناه وسقيناه بالإسفنجة خلاً ، إنا أنزلناه لنحرقَ أكليلَ الشوك على رأسه، إنا أنزلناه

وكانت الهاءُ في ( إنا أنزلناه ) إشارةً الى هويةِ الغيب المطلق : ( هو ) ، هو الموؤدةُ ملامحه فيَ ،

القارعُ طبولَه الخفيةَ في أذن طفولتي العمياء. أينه، أين أسماؤه وصفاته تتحايل على أسمائي

وصفاتي لتستدرجني الى الصحراء، فيا هو، أيةُ متاهةٍ استدرجتْك وكم من المرايا رددتك حتى

عدتَ اليَ مثقلاً بالأنفاس، كأنما أنا ما يذكرني بكَ أيها النابض في ملابسات اليقين كالقلب، كأنما أنا ما يسترُ حنينَكَ اليَ ، أنا ما: يضعُ بيني وبينكَ هذه الغلالةَ المزركشـةَ بنداءاتِ الإستغاثة

ألف : نداءُ ملائكةٍ خرساءَ توقظُ الجهات

حاء : نداءُ وعلٍ جريحٍ على فم الينبوع

ميم : نداءُ قاربٍ يتشظى في قهقهة البحر

دال : نداءُ عقيقٍ مرفوعٍ ليُختَبرَ في عين الشمس

إسمي ندائي على نفسي كأني أنادي على بائع الصحف الأصم، نداءٌ لا يصلُ إذ يصلُ إلا سدى

كنداء ميديا في مطار ممطر تدفع حقيبتها وتضحك، كنداء كوثر في مقام التمكين تسـأل عن وحدة

الوجود وانقطاع الكهرباء.

 

هذه النداءات الخفيضة ذكرتني بأبي، كان يقول : الإسـم بيتٌ لا يمكن الدخول اليه لا من أعلى ولا من أسـفل، لا من الأمـس ولا من اليوم، لكننا مع ذلك نتلاطم فـيه كما لو انه وكرنا المكينُ، منبتـُنا الذي، لفرط اندكاكنا فيه، ننسـاه، أو لعله الفجاءة التي قبل أن نفهرسـها تكون قد باشرتْ حفرها في هوائنا القريـب.

 

 

وتذكرتُ أيضاً:

كلُ الأسـماء، ومثلها إسـمي، رسـائلُ أُحرقت قبل أن تُكتب.

كل الأسـماء إشاراتٌ الى هويـة الغيب المطلق : ( هــــو ).

هـــو : الرحم البارد الكاذب الســـام الذي بانقباضه وانبسـاطه أكـون.

هـــو : جمهرةُ فراغٍ تسـدُ علي الطريق.

هـــو : قنطرة مردومة بين الإنـسـان ونفسـه.

   

وأنا، كان لي إسـمٌ

وحدث في أخريات أيامي أني رأيتُ في المنام أني أذبح أبي، فاستفقتُ وفي يدي مقبضُ سـيفٍ ، وعلى رأسي طائرٌ بلا إسم يزعق : يا هـو، يا هـو، كم من هواء تكاثرتْ عليه الأجنحةُ ولا يطيـرُ إلا بكَ. ومن يومها لم يعدْ لي إسـم

   

ــ ما اسـمُكَ ؟

ــ نارٌ تريـد أن تنطفئَ ولا تسـتطيع.

 

نشرت هذه القصيـدة في مجلـة ( غجر ) الصادرة في هولندا، العدد الأول،صـيف 2000  

أحمد عبد الحسين


 تحت قـوس زحـل

ثلاث قصائد


1

 زهرة سوداء

  ( الى خالد سليمان )

....وبعد....، ماذا سيقال في الروح أبلغ مما قاله سكران : ( الروح خنثى ) ،

لكني تهيأ لي، في جلسة خمر، أن الخطأ الحي الذي يخالط وجودي له نحو ُ:

ارتباط بالنسيان، نسيان ذلك المغزى الشاق، المعنى المبدد في دعابة فيثاغورس

(العالم عدد ونغم) . وتذكرتُ ان في قوة المصطلح تأجيلا أبدياً للمعنى بمقدار

مافي كلمة الفجر من ليل ونهار، فصرتُ أطلب الروحَ بنقيضها والجسدَ بلطائفه

المخبوءةِ فيه، وقلتُ: فلينمْ من لم يرَ زجاجَ الزجاجة، أما أنا فقد رأيتُ الروح ـ

القنديل الذي من رآه لم ينمْ، وقلتُ: يارب ليكن لي أربابٌ على قدر خطاياي،

أرباب يترامزون بالكناية، بالإستعارات الشرسة التي كنا نتلاسن بها في جلسة

خمر، نحن الأنبياءَ الكذبةَ الذين تكلمنا عن الروح فافسدنا قداس الأرض، سحقنا

الكرمةَ الوحيدةَ التي تعبتْ قلوب الماء في ريها،

لكنْ الروحُ روحُ مَنْ ؟

الشاب الهزيل الذي لطم وجهَ حبيبته بزهرة سوداء، وحده يدرك ان مأتمه لن

ينقضي ماداما، هو وإياها، اثنين، روحين، ضربتي مجذاف في نهرين لا يلتقيان،

وهكذا فالزهرة السوداء التي سقطت في الوحل صارت علامة على انهدام الروح،

روحُ من ؟

أكرر سؤالي وفي خاطري أسماء كل أولئك الذين انتهوا الى هذا الحطام الشفيف،

الذين تكسرت أقدامهم وهم يتتبعون المسارَ اللعوبَ لهذه الأميبيا المقدسة،

وإلا كيف يعقل أن شخصاً ما، في جلسة خمر، تذكر فجأة أنه هو وروحه شيئان

متناقضان وانهما معاً فائضان عن حاجة العالم؟

لعله ارتبك ليلتها، ضحك من الرعب أو أخفى قلقه بالتدخين، غير انه حين عاد  

الى البيت، وقبل أن ينام، كتب في مفكرته: (الروح خنثى)

وعندما استيقظ لم يعرف بالضبط ماذا أراد.

 

2

زواج  متأخر

 

المرأة تنهمك بالدموع والموسيقى، بتراب تكدسه آخر الظهيرة ثم تدفن فيه بذرتها

وتنتظر

وانا من ورائها أعضدها بالرعب، بالأحاجي ورائحة الكحول

أضرب بحزمة المفاتيح روحَ الخشب الساهر:

وأنفخ كومة التراب

ايتها المعافاة

وجدانكِ يتقلب بين موسيقى ودموع

وقريباً ستأتين لي بعظاءة الذهب وتقولين : كم تشبهكَ

 

سأسميها ميديا

وتسمينها كربلاء

وستحتفلين بدمع وموسيقى

وأنا من ورائكِ أسندكِ بتراب جديد وبذرة جديدة

ضارباً بمفاتيحي روحَ الخشب النائم

مخبئاً عنكِ الأحاجي ورائحةَ الكحول.

3

قتيلان يتحاوران

ـ هذه خرافة، تنجيم، أو لعبٌ بالأوفاق

ـ لماذا؟

ـ لأن السفينة لاشيء إن لم تكن ريحها منها

ـ  كذلك انا عقيقٌ زائفٌ لولا أنْ صدقتُ نفسي

ـ ولكنها، مع ذلك، خرافةٌ، تنجيمٌ، محضُ استرسالٍ في التيه كمن يبسط يداً اصطناعية

أمام قارئ كفٍ ، وإلا من اين لك أن ترى الكنزَ الوقورَ في ابتسامة الجندي الخائف، أم

كيف لي أن أقيمَ الدليلَ على بلاغة حاجبيه وهما يعذبان المكان....؟

ـ ...لا.... ليس عندي هنا بين الأنقاض  سوى قوتي ـ قوة المنجم يتخاطر تحت قوس زحل

راداً التحية على أنقاضه...

ـ الليلةَ اقترانُ نجمةِ الملازمِ بكوكبةِ ذاتِ النطاق

ـ لمثل هذه الليلة ادخرتُ لباناً ذَكَراً، زهرةَ دفلى حمراءَ، وصناديقَ أسلحة

ـ وأنتَ ماذا ادخرتَ ليوم زفافكَ يامن تدفنُ وجهكَ في أطلس البروج بانتظار أن

تتذكر اسمك؟

ـ ما اسمكَ ؟

ـ أريد أن أقبلَ جرحَك المفتوحَ للصيف

ـ وأنا أريد أن أشكرَ الضبابَ الذي يرفو الثقوبَ في خوذة تتقلب على السفح

ـ لعلها خوذتك

ـ ولكنها حقاً خرافة

 

يقف الإنسان مقطع الأوصال في شفير الفجر، على حافة خندق في

 سانوبا  ، يقف ليملأ منخريه برائحة الدم، ثم وقبل أن يتهالك تؤاتيه

شفقة مضحكة،  شفقة تتلخص بانقاذ الإنسان من شفقته

ـ ماهذه الخرافة؟

ـ انها الإسم الرعوي الذي أعطوه للموت

ـ بل هي الثلجُ المتقلبُ في نعمة النار ويحرقُ طالبيه

   

أحمد عبد الحسين

 

ضيوف