لافتة سوداء

 

(1)

 

صخبُ بدايةِ الحربِ يتداخلُ مع صخبِ الطفولة، غير أنّ صخبَ الأولى أشدُّ ، بينما الطفولةُ تتلاشى عجولةً، مُخَلِفَةً، ندوباً بيضاءْ. الحربُ تنمو على مهلٍ تتغذّى على قتلى يموتون بلا سببٍ واضح.

 

(2)

 

تحكُّ باصبعك الجدار الخشن وأنت تُحاذيه سيراً، يختلفُ الملمسُ،  يرقُّ فاذا بها قماشة. تضمُّ قبضتك كأن مسَّكَ سلك كهربائيٌ سائبٌ؛ تبتعدْ خطوات لتقرأ ما دُوِّنَ عليها: البسملةُ، آيةٌ من القرآن، واسمٌ ابيضَّ من شدّةِ  الغياب، جاء هكذا، وتسمَّرَ على الحائطِ، كُتبَ تحته اسمُ مكانٍ غامضٍ وارقامٌ ربما تشيرُ الى اكتمالٍ ناقصٍ للدائرة.

تهربُ راكضا خائفاً من حضور الموت بهذه الكثافة التي لا تحتمل.

 

(3)

 

االلافتة السوداءُ شرخٌ عميقٌ في الجدار الذي يرتبكُ بسب صمتها وصخبها. برقُ صاعقةٍ يكفي لإحراق ما تبقّى من حلمٍ، كما كانت قدمُ الجار التي نسيها على الحدود وعاد بدونها، بدون القدرة على استعادتها، وحيداً، علامة على نقصٍ فاضح.

الشارعُ أثقله الأسى، وما عاد يثرثرُ، بل يُتمتمُ بكلماتٍ عن المصيرِ البائسِ الذي ينتظرُ الجنود هناك.

 

(4)

 

تهبُّ ريحٌ خفيفةٌ.

يهطلُ مطرٌ.

غبارٌ.

تبلى اللافتةُ، يشحبُ سوادها، تتمزّقُ حافاتها ويمضي الأسمُ الى غيابه، لتحلَّ لافتةٌ وأُخرى.

كانت الحربُ لافتةً كبيرةً تُبَدِّلُ اسماءَنا.

يحدثُ أن تمرَّ لتجدَ اسمكَ. لن تستطيع محوه مهما حاولت ذلك. كثيرون منا كانوا يعيشون هذا الكابوس. غير أنك في الحلم المرعبِ، ترى اسمكَ، أما على الجدار الحقيقي الخشن الملمس، فلن تكون هنا لتقرأ.

 

(5)

 

ستتوقف الحربُ يوماً

سيذهبُ الموتى عميقاً في موتهم

سيحيا الأحياءُ حياتهم او يأسهم ـ لا فرق ـ

لكن على جدار القلبِ ستدومُ تلك اللافتةُ

سيلتمعُ اسمك عليها

أبيضاً كغيابٍ متوقعٍ وحين ستلتقي ظلّكَ

سيكون سوادها قد اكتمل تماما.

دمشق 1997

نصوص أخرى