محمد غني حكمت والحصار

 أكثر من عقد مضى ومامن ثمة في الأفق من نافذة مشرعة على أمل رفع العقوبات عن الشعب العراقي، وكل المبررات التي تكرس هذه الجريمة الصامتة، واهية ولاتخضع إلاّ الى منطق القوة والمعايير المزدوجة في النظر الى القضايا في الشرق الأوسط و كذلك الى العنصرية والفوقية التي تسم العلاقات السياسية بين العالم العربي والغرب. ويكفي ما يحدث في فلسطين أو العراق دليلا على سقوط مقولات حقوق الإنسان و الديمقراطية ، التي يتشدّق بها العالم الغربي، إزاء انعدام ممارستها في العالم العربي.

وحيث يكون اختفاء طفلة أمريكية في ظروف غامضة مدار تغطية يومية واسعة من قبل وسائل الإعلام الأمريكية المحلية وعلى مدى أشهر طويلة وهذا ماحدث في حالة أوبل جنينكز قبل عامين، ولايثير قتل الأطفال الفلسطينين أونشر الأرقام المخيفة لضحايا الحصار من الأطفال والشيوخ أحد و كأن الأخبار قادمة من كوكب آخر.

 

ولكن بين الحين والآخر، يعلو صوت هنا أو هناك لطرح قضية الحصار أمام الرأي العام ومحاورة أوربما  إحراج  صانعي القرار السياسي أو ممثليهم ، ومن هذه الأصوات ، صوت الصحفي الأسترالي المولد  جون بيلجر (يمكن زيارة موقعه للمزيد من التفاصيل)، الذي زار العراق في العام 2000 وأنتج فيلما عن الأوضاع اللاإنسانية التي يعيشها الناس هناك. هذا الفيلم الموسوم " قتل أطفال العراق " من بين أفلام أخرى، مثل رمية حجر في بركة الإعلام السائد، المليئة بالزيف والتشويه وقلب الحقائق بالإضافة الى التجاهل...وقد تسنى لي مشاهدة هذا الفيلم مؤخرا، وحدث هذا بالتزامن مع مرور أحد عشر عاما على غزو الكويت وتطبيق العقوبات الإقتصادية. من الملفت للنظر في هذا الشريط هو التركيز على البعد الإنساني والثقافي للشعب العراقي بدون تقليل أو إهمال  البعد السياسي، في رسالة واضحة لوسائل الإعلام الغربي التي تتعمد اختزال العراق أومعادلته بشخص واحد أو اعتباره امكانية عسكرية محضة لتهديد أمن المنطقة والتعامل معه بوصفه بلداً متخلفاً غير ديمقراطي يستحق العقاب.

 

ومما يجدر الإشارة اليه، المقابلة التي أجراها بيلجر مع النحّات محمد غني حكمت، الذي

قدّم أعمالا ملفتة للنظر، تصوّر المعاناة التي تثقل كاهل المرأة العراقية،  تحت ضغط الحصار. في الدقائق القليلة التي أمضاها المقدّم مع حكمت تحدّث الفنان عن تجربته التي امتدت أكثر من عشر سنوات، في ملاحظة النساء، وذلك لأن مشغله يقع مقابل مستشفى للأطفال. سارع حكمت الى القول وكأنه يرد على اتهام لم يوجهه أحد:" صنعت هذه الأعمال بنفسي،  بدون طلب من أحد".

 

 

لا يمكن الصمت على جريمة مثل هذه غايتها الأساسية تدمير شعب يملك حضارة عريقة وقتل الأمل في العيش الكريم، وسواء أكانت العقوبات ذكية أو غبية، فإنها بلا مبرر، وكل الأصوات الشريفة في العالم يجب أن ترتفع لوقف هذه الجريمة اللاإنسانية.    

August 12, 2001

عن الكتابة