ناصر الحجاج

نصوص مختارة

ثمانية ألواح سومريّة

أبي

ذاكرة

 مواليد البصرة _ العراق ،شاعر و رسام وناقد أدبي ،له إسهامات شعرية ونقدية في العديد من الدوريات و الصحف العربية
وفي العديد من المؤتمرات والندوات الشعرية والنقدية .الإصدارات : 1996
نون شعر ،  نبوءة مجنونة  أواخر 1997 مجموعة شعرية، كلاب طروادة  مجموعة شعرية تحت الطبع
ترجمت مجموعة من القصائد إلى اللغات  الألمانية والسويدية _ كتاب
المنفى العراقي مع سعدي يوسف وكريم عبد وآخرين
بكالوريوس أدب عربي _ الجامعة اللبنانية _ ماجستير المحلّي في شعر السيّاب كلّية الآداب _الجامعة اللبنانية
أسّس( المنتدى الثقافي العراقي) في بيروت  و رابطة المثقفين العراقيين عمل أستاذاً  للغة العربية والنقد الأدبي ، ويرأس (حالياً) تحرير إحدى الصحف
المحلية التي تصدر في أمريكا  ميشيغان  

Email:alhajjaj@msn.com

ثمانية ألواح سومريّة

   اللوح الأول

أنتم الذين تطوون ، وتنشرون أطراف الرياح

تجتمعون في نهارٍ لا نهار بعده.

لا تودّعوا أمّاً،

لا تعانقوا زوجةً ، ولا تقبّلوا طفلاً.!

ليحملْ كلٌّ منكم

أشعاره ، وقارورتي النبيذ والسمّ

أنا إلهكم : آمركم بالموت

كما أمرتكم بالحياة

اذ سترثون أرضاً أخرى.

   اللوح الثاني

العاصفة التي استجابت لنداء طائر النار

وطائر النار الذي غنّى بصوت لا نحبُّه نحن.

حيث الجثث المثقبة بمناقيره تنـزف

والرَحى التي بقيت بلا طحين ، انكسرت.

والرمال والسبخة أتلفت سلال رُطَبنا.

فالتفِعي أيتها الأمهات بنثار الأشلاء.

إذ لا توابيت تحتضن قتلانا.

   اللوح الثالث

كانوا طوالاً وسمراً

يحمل كلٌّ منهم رغيفاً ومنجلاً

وباقة كرّاث.

المتفرقون جمعهم الفرات.

بطيئاً كان نزولهم إلى القاع.

أرواحهم السمراء خرجت فقاعاتٍ،

عند حافة الغروب.

وحيث النهر كان يفقد دفئه،

كانت الأجساد تطفو

تلعقها كائنات الماء.

   اللوح الرابع

رايات سوداء ، ورايات بيضاء فوق

الصرايف .

أيتها الأمهات ذوات الحنان،

النذور خلاخيلكنَّ المتناثرة.

القبور مداخل العالم العلوي.

لا تُخربشنَ وجوهكن ، ولا تلطمن الصدور.!

الآلهة الذين ... صاروا في العلياء.

الفقاعات صارت كواكبَ.

ونجوماً لا تُرى إلا بعد الغروب،

عند حافة الغروب.

   اللوح الخامس

لا تقطعوا النخل فيحلَّ عليكم غضبي!

أنا إله المزروعات ، وطيور الهور .

أنا خازن بذور القمح والذُرة البيضاء

أنا مَن يرزقكم ويكسوكم .

أنا من ألفّكم بعباءتي شتاءً

وأطعمكم السمك المجفف .

   اللوح السادس

أرسِلوا في كل جهات الهور

مشاحيفكم !

إحملوا فالَةَ صيد السمك .

واثنى عشر مردّياً .

وحلاّنة تمرٍ،

ومكيالاً من دقيق الذرة .

وعندما تنحدرون في النهر باتجاه البحر .

هناك عند حافة الفرات الأكبر وبداية الملح .

القوا تلك التوابيت لاول موجة في المدّ .!

   اللوح السابع

هل هذا بخور الوداع ؟

فلتكنْ المأدبة قرب الجذوع التي قُطعت رؤوسها .

وليكن " سهيل " أول المدعوين من النجوم .

هل أُعدّتْ بيوت القصب لضيافة الأرواح ؟

هل هذا بخور الفراق الذي يضوع ،

وسط دخان الجنوب

لا تبرحوا حُصُرَ القصب حتى

تتوارى الرايات في دخان البخور .

   اللوح الثامن

أيتها البلاد المنصاعة للقتل .

غداً عند حافة الماء .

وحافة الغروب ،

وحافة الحياة ،

وحافة الفزع ،

سيلقي طائر النار بجسد الإله ،

مسودّاً كالقار .

إفرحي أيتها البلاد الثكلى بعدد

ما تبقى من الرطب .

إفرحي يا أمّ من يطوون وينشرون

أطراف الرياح .!

 

بيروت 1998

الصرايف : بيوت القصب ، مفردها صريفة  

المشاحيف : زوارق الأهوار البدائية المطليّة بالقار  

 المردي : قصبة يدفع بها المشحوف ، والحلاّنة : كيس معبّأ بالتمر يُصنع من خوص النخيل

ناصر الحجاج


أبي

يأتي حاملاً حزمة ما من الحقل ،

هادئاً كطوفان

وغامضاً كعاصفة

وبريئاً كبحر

لكنّه متعبٌ كمحارب

ومبتسم كصيف

ووادعٌ كشتاء ...!

 آخر أياّم الصوم : ..

يبدو شاحباً ومتوتّراً

عروق كفيّه نافرة .

أذكره الآن وأحنُّ إلى شقوق قدميهِ ،

إلى صوت أنفاسه ،

حين يغفو تعباً تحت ظل نخلةٍ ،

أتذكره ، وأنسى نفسي .

ناصر الحجاج


ذاكرة

ماذا يعني أنْ تتجشأ بُعيد قيامك من نومك !

ماذا يعني أنْ تُقبل على ما لا تحب !

وماذا يعني أن تقبـّل ممرضةً في غرفة التخدير !

وأن تضاجع عاملة في الطابق العلوي

لمحل ألبسة أوربية مستعملة !

أن تشعر برغبة في دقيقة حداد كل ساعة !

أن لا تجد حديثاً مع موظفة الاستعلامات في الجامعة

إلا عن الرسوم المتحركة !

أن تمرّ صامتاً محدقاً في وجوه الجالسين في مقهى "المودكا !"

أن تقطع شارع الحمراء طولاً من جريدة "النهار"حتى جريدة "الحياة !"

أن تشكوا من ألمٍ في عضلات رقبتك

وألم في الأكتاف !

أن تظهر أمامك عناوين  مواقع الجنس المجاني

كلما شرعت بفتح الإنترنت في

مقهى إلكترونيّ مغمور!؟

ماذا يعني أن يسألك (أحدهم) : لماذا لا تثورون ؟!

فتجيب : ومن أنبأك أننا قنبلة !

وماذا يعني أن يكون عدد صديقاتك أكثر من أصدقائك !

وان تحسب ألف حساب لتبقى موظفاً طوال

السنة دون أن تُطرد !.

أن تُجبَر على شرب بيرة بلا كحولٍ !.

أو أن يخلو جيُبك لأيّام ،

فتذرعها مشياً من مستديرة "الصياد" حتى

ساحة "ساسين" ، ومن "الروشة" حتى "المشرفية" !

أظنُّ ...

أن ذلك يعني أنك في بيروت !

12/6/2000

ناصر الحجاج