الرمّاحي

نصوص مختارة

مواليد ١٩٦٧ العراق جنوبا
التخصص فنون جميله ـرسم
ديوان شعري مرخص من قبل وزارة الثقافة والاعلام بغداد ١٩٨٩ لم ينشر
احد مؤسسي ملتقی الادباء الشباب في الصليخ ـ بغداد ١٩٩٠
مجموعة نصوص منشورة في صحف ومجلات متفرقة عراقيه وعربية
مكان الاقامة كنـدا

الحواشي

هزيمة شاخصة

أغنية المهمل

 

الحواشي

في ذكرى عاشوراء الحسين بن علي

 

واقفاً على التلةِ وعلى يديـهِ وسْمُ وجْدِهِ و وشمُ غربته

يقطرُ من أصابعه ظمأٌ وليس الى شربةِ ماءِ من سبيل

أ كان دخاناً هذا الذي حال بينهُ و بين السماءِ أمْ عطشاً ؟

يقطرُ من أصابعهِ رضيعُهُ .... قطرة ماءِ و قطرة دم

لما اصبح صباح يوم العاشر من المحرم صلي الحسين بأصحابه ثم قام فيهم خطيباً ..

ـ اهِ

وبينما أنصارُهُ يتهيأون , ركز رمحَهُ بين قدميهِ وأسْمَعَهُم

ـ آهِ لمليون رضيعِ يُذبحون هنا

ثم صفَهم للحرب وكانوا أثنين وسبعين رجلاً

أشكُ أنهم كانوا أكثر من ذلك

و ماليَ وللتاريخ وأوراقه إذْ لا أبي صفَ حروفَه و لا جدي باعهم الحبرَ الذي به سطروا زيفـَهم

و أشك انهم كانوا أكثر من ذلك

الصبيُ الطالعُ من الجنوبِ والمحشوُ رأسه بما يُشبهُ التأريخَ أتقنَ اللعبةَ الآنَ

إذْ همتْ طائفةٌ انْ تُدِلـَّهُ على سوق الوراقين و هم ينسخون صحفاً باليةً

فيها صحفٌ مزورةٌ

صحفٌ صُحِفَتْ

قال بعضُهم........أن نفسَ أبيهِ بين جنبيهِ

وآخرون قالوا ..أن نفساً أبيةً بين جنبيهِ

قال الراوي و الوراقون كتبوا ثم كذب الراوي و صحَف الكَتَبَةُ

فأيها ستصدق أيها الصبيُ

و مالي ولكتاب ِ أبي مُخنَفِ سوى أني ابحثُ عنك انت أ يها الواقفُ وحيداً علي

التلةِ و رأ سكَ يُطافُ به في سككِ الكوفة

الصبيُ أتقن اللعبةَ ولكن بعد فوات الأوان

بعد أن خسر أيامه يبحثُ عن صورته في كتب التاريخ

أضاعَ رأ سَه مدسوساً في كتاب مقتل الحسين لأبي مخنف

و أزَيَنَتْ أصابعُهُ بحواشِ لم يلتفتْ أليها أحدٌ

حواشِ قيل عنها ضالة

أتقنَ اللعبةَ مُوقناً بأنهيار الزائل الذي أ سس عليه بنيانَه

أتقن اللعبةَ فأزَبَنَتْ أصابعه ببقع الحبر واجتهدَ في قراءةِ المُصَحَفات

أمْهِلْني بعضَ وقتِ لأتلو عليك الحواشي...

لأتداركَ ما فات ابا مخنفِ أنْ يدونَه في كتابه

وحيداً وعلي كتفيهِ ازارٌ وفي قدميه نَعلان

و أطفاله يَدْرجون بين يديه

يدرجون بين يديه في حياته ويدرجون بين حوافر الخيل بعد مصرعه

أطفاله كلُ أطفال العراق ينتظرون في غدِ موتَهم

و فيما هو يستكثرُ من الأنصار , كنا نفرُ الواحد تلو

الآخر لئلا نشهد مصرعَهُ فيحلَ علينا عذاب

حتى صرتُ أ ستدلُ عليه بكثرةِ الهاربين من بين يديه مخافةَ الابتلاءِ بدمه

فلطالما كانت قلوبُنا معه

قلوبنا معه وسيوفنا عليه حتي أذا اعشوشَبَت الارضُ من دمه خلعْنا

قمصانَنا ولطمْنا صدورنا حزناً عليه

أستدل عليه بكثرة الكذابين الذي كاتبوه وكاذبوه

أستدل عليه بقلةِ أنصارهِ .. بقلةِ مَنْ صدقوه و صدقوه

و شيئاً فشيئاً صرنا نُحْسنُ كتابةَ الواقعة

خارجون على قانون السلطة و سلطة النص نقرأه كيف نشاء ونكتبه

كيف نشاء وليس لأحدِ علينا من سبيل

فأمْهلْني بعضَ وقتِ لأُتمَ تلاوة الحواشي

خارجاً من مشكاة عرفةَ يكرر... ماذا وجد مَن فقدك و مالذي فقد من وجدك

بعضُ نوره علَمَنا التهجي

وبينما نسوتُهُ علي ظهور الجِمال .. بينما أهله طوع يديه و نفراً من أصحابه

بينما هم يخلفون المرايا ورائهم, تضيقُ بهم الدروب وتتعدد في وجوههم الجهاتُ

أما أولئك الذين بايعوه , فروا جميعاً

و لم يبقَ منهم ألا خِرجانِ مملوءان كتبا

ثمانية عشر ألف جندي بايعوه و وعدوه النصرةَ ليسوا سوي

ثمانية عشر ألف توقيعٍ ذيلوا به كتباً بما يملأُ خرجين

الحقيقةُ أنهم فتلوا شواربهم لأن النعمان بن بشير لم يتقن لعبة القتل جيداً

حتى أذا جاءهم أبنُ زيادٍ من جهة البصرة , جاء هو رجلاً من

اقصى المدينة يسعي الى مصرعه

و هاهي الواقعة تتكرر

حاصرَتْهُ المرايا فصورَتُهُ تتكرر في كل زمان

و رسولُهُ أليهم مقتولٌ يُجَرُ برجليه في أسواق الكوفة

وجدْنا صورتَه مكررةً في المرايا

وجدنا المرايا لا تعكس ألا صورتَه مكررةً فيها

وجدناه تحت الشمس قتيلاً و رأسه على رمحٍ طويل

وجدناه وحيداً واقفاً على التلةِ و راسه يُطاف به في سِكَكِ الكوفة

الرماحي

 شباط 1002 كنـدا


هزيمة شاخصة


 

عشرةُ أعوامٍ وأنا اترضى معشوقتي بالذهب المغسول بالدموع

بما لا يصدأُ ولا يجف

أتمسحُ بهودج العرس الناضح بالطيب وقد تقاطرتْ الحناءُ الطريةُ على جوانبه

أتوسل الي الجندي الا يقدم اطفاله الطالعين من اشلائه قرابين لأِلهةٍ تأكل ابنائها عندما تجوع

وحين عانقتُه شممتُ رائحة العتاب تتدفق من اثوابه ومآزرهِ

اما هو فقد احس لهفتي مذ احس باصابعي مغرورزةً في ظهره وانا احتضنه

هؤلاءِ ابناءُ عمومتنا وقد حشدوا راياتهم ورماحهم كأنما خُلقوا ليذبحونا

كأنما رؤؤسنا لم تُخلق الا ليحصدها ابناءُ عمومتنا ثم يرفعونها على فوهات البنادق المظلمة

هكذا رايتُهم مدججين بالنحاس الصدئ وملثمين بالشتائم

أ شهد زحف جحافلهم فاقول : ابناءُ عمومتي

لهم سحنتي وبريقُ عيني

الا بريق خناجرهم فليس فيه شئ ٌيشبه بريق خواتمي ودفءَ ذراعي الممدوتين بحنوٍ لتحضن الفراغ

ـ كم انت وحيد

كم كنتُ وحيداً حين رايتُ ـ فيما تري الفراشة في رقصها وهي تنفض الوان اجنحتها في الفضاء ـ ذبولَ لوحة فان كوخ علي جدارٍ ذابلٍ ...زهرةَ عباد الشمس الذابلة

كم كنت وحيداً حين رايتُ النجارين الذين لايتقنون سوي دق المسامير الغليظة في الصلبان المعدة لأولياءٍ رأوا واولياءٍ سمعوا واولياءٍ اخرين كذابين

وكم كنت وحيداً وانا ارى ابناء عمومتي براياتهم ورماحهم وهم يفتشون عن صدري ليودِعوه حرارة اسلحتهم

وحيدا أستقرأُ بعيني الفاغرتين كم يحبني هذا الحشد وكم يكرهني

اما وقد احتشدوا ببيارقهم وبنادقهم وهم يرقصون خناجرهم في قبضاتهم وقد انعكس بريقها في زجاج عيونهم

اما وقد تحاثوا علي قتلي وتدافعوا للظفر براسي ليرفعوه على رمحٍ فقد ادركت خطري

عندها صرت اذا رايتهم قلتُ: كان لي ابناءُ عمومةٍ

عندها صرتُ اذا رايتهم وسعتُ حدقتي لاُبصرَ بريق اسلحتهم تتوعدني

هم الاحلافُ وانا الوحيد بصمته والفرا شات تتقاطر من حولي وحيداً محايداً ومتطرفاً

الى مَن يلتجأ الهارب اذن ؟الى اين ..؟ وحده تطارده الاحلاف ببنادقها وبيارقها ؟

اما انا فلا سلاحَ معي سوي قراطيسي اتهجأُ بسبابتي اولَ الغمامة

اما اخرُها فكلماتٌ واولها كلماتٌ كانهن تلاوات .....

كانهن اذان فجرٍاختلط بصياح الديكة...

صياحُ ديكة وأذانُ فجرٍ اختلطا بضجيج العامة التي حملتْ معاولها وآلاتَها في اول الطريق

وبينما الصباح يتثاءَبُ

بينما الحدادون يطرقون ايامهم

بينما الديكةُ تصمت كانها منبه ُساعةٍ وقد انطفاَ

بينما كل هذا يدلف الجندي الي هزيمته ملفوفاً بالصمت وقد ترك ورائه سلاحَه وكيسَ متاعه

اما انا فقد رايتُ فيما يري الاولياءُ غداً موشحاً بالدموع والغياب

مذ رايتُ ابناءَ عمومتي وجنوداً فارين يخرجون جميعاً من بين اضلاعي كأنهم رمح

مذ رايتُهم يحرقون بيوتنا القصبيةَ لتضئَ لهم طريق عبورهم مفازات ارواحنا

مذ رايتهم لا عدوَ لهم سوانا

رأيتُ فيما يري الاولياءُ رؤوس اصحابي واحداً واحداً معلقةً على فوهات البنادق الصدئة وعلى شفاههم ابتسامةٌ هازئة

مالذي سيفعله القتلة برؤوسهم؟ هل سيتركونها تصدأ امْ يخبؤونها في صناديق؟

مالذي ستفعله امهاتهم سوي انهن يسحبن الغروب ليعلقنه علي جدارٍ مائلٍ وهن يوقدن قناديل الدار

الي كم تتمسحن بشبابيك اضرحة الاولياء الراقدين بسلام وتتوسلنَ الي الله بشفاعتهم وتقلقنَ رقدتهم

وانتن وهم عبارة تضيقُ و رؤيا تتسعُ

وفي كل زمان و مكان هنالك نجارون و أولياء

نجارون ـ لايتقنون سوي دق المسامير في توابيتٍ معدةٍ لأولياء خضرٍ ـ

نجارون رأيتهم حين اوقفَني البدوُ علي الحدود كانهم الطالعون من كتب التاريخ ثيراناً هائجةً تناطح خرقاً حمراء

كانهم اباؤنا الصعاليكُ يغزون القبائلَ في الليل ويتكأون علي اعمدة الرمل في النهار وهم يدخنون الهواء

واخيراً

تمكنتُ وحيداً انْ اركز رايتي عند المنعطف

خرقةً سوداء مكتوب عليها بدهان ابيض :

ا سلَمونا للريح حين لم يتركوا لنا قدماً تحملنا

  الرماحي


 أغنية المهمل


آبَ لا الليلُ علی اجفانه يغفو ولا الصبحُ آستفاقا
يتلظی صامتاً لا الورد غطاهُ ولا أورقَ جفناهُ ولا ماءً أراقا
قلِقاً عيناهُ من ليلٍ مطِيرٍ
وسوادانِ من الحزن علی الوحشةِ والوحدةِ والدمعِ تلاقی
مدَ كفاً باتجاهِ الشمس ...ذابتْ
ايهذا الثلجُ من اين أوافيكَ احتراقا
حارَ لا الدربُ يوافيه ولا خطوته تحتضن الدربَ وما عادا رفاقا
كاذباً يستمطرُ الوردةَ تقواها ويدري أن ما يفعله كان نفاقا
ابَ
لا السيفُ الذي يحمله كان مهاباً
والنياشينُ علی بزتِه تصدأُ
والاوسمةُ البراقةُ اسودتْ وامسی مثل تمثالً قديمً مهمَلٍ في
ساحةٍ غادرها العشاقُ والاصحابُ والجُندُ وما مدتْ الی القلب زقاقا
لم يكن يأبَهُ بالغربةِ ..الا  انه خاف وقد شاهدها صارت بُراقا
فامتطاها عربياً مهمَلاً  مثل المحطات تعودنَ انتظاراً واستباقا
خاف مذْ حاصره الافقُ بسيفيهِ فولی هارباً نحو المحيطات فألفاها وثاقا
لم يعدْ يستمطر الوردةَ تقواها بل انسلَ الی محرابهِ ليلاً ليجلو صدأَ الايامِ عن
اوسمةِ العمرِ
يرش الساحةَ الخرساءَ ماءً
ثم يدعو الجندَ والاصحابَ والعشاقَ كي يجتمعوا فيها الی
تمثالهِ المهمَلِ والسيفِ ويتلوهم مواويلاً رِقاقا
ويغني
كيف غنی وهو لا يملك الا ما تمنی؟
قال لولا ما امني النفسَ من نافذةٍ افتحها لامتلأتْ روحي غبارا
قربي الليلَ من الصبحِ سئمنا الانتظارا
واشتهينا يوقَدُ الفانوسُ
حاصرناه بالزيتِ وبالحزن وبالشعرِ فما احلی الحصارا
وتناجينا
تلظينا طويلاً ثم ذابتْ كفكِ ما بين كفَيَ وقد صارا سوارا
نزِقاً حدقتُ في عينيكِ دهراً موحشاً لكنما اغماضةٌ خجلی تغشتكِ
و ذاك الالقُ الغضُ الطفوليُ تواری
و تحدثنا بصمتٍ
اهِ مما عبث الصمتُ بنا
عيناكِ مما كنتُ قد حدقتُ فيهن تجلينَ قباباً ومزارا
وانتبهنا
فأذا الصحراءُ ما بيني وبين الوطن الممتد في القلب من القلب الی القلب جدارا
وأذا ايامنا وهمٌ من الذكری..محيطاتٌ من البُعدِ غرقنا في ثناياها ولم نلمسْ قرارا
فأذا آبَ فلا ليلٌ علی اجفانه يغفو ولا صبحٌ افاقا
انما  شئٌ من الصمتِ  و شئٌ من ذهول 

الرماحي

 اب ١٩٩٩  

  

ضيوف