سرد المكان

(1)

هذه المرة في شهبا.

كمنْ الى البيت ، ليس الى شبههِ ، الى ظلِّهِ ، الى ذكراه ، بل الى البيتِ بعد طوافٍ في شوارعَ معصوبةِ الأعين.

هنا يتآلفُ النبتُ و الحجرُ ، على ايقاع نبضٍ واحدٍ ، يشتبك الحاضرُ والماضي بسيوفٍ من ضوءٍ وتتلاقى آثارُ معرفةٍ وامّحاءها.

يشدُّني حنينٌ مُلْتَبسٌ لأنْ ألمَّ شتاتَ روحي ، هنا ، كمنْ في البيت.

(2)

هذا العمود هنا. هذه العلّيقةُ لِصقهُ .الحُجْرَةُ التي انهار سقفُها . القوسُ الذي تآكلَ نصفه واتكأَ نصفه الآخرُ على شعاعِ شمسٍ ربيعيةٍ : علامات "ذات" تتأمَّلُ ذاتَها ، تنتظرُ من يصْنع منها سرداً مقبولاً في سياقٍ ما.

 

(3)

الصمتُ سائدٌ هنا ـ كدتُ أقولُ الخرس ـ سوى  رطاناتٍ بلغةٍ أو أثنتين من لغات الأرض.

ساحرٌ اختفى في خط التقاءِ الأرض بالسماء ، كما في يوم زفاف. أحاولُ ان أصلَ الى تلك النُقَطْ. كأنما هناك وهناك فقط ، تلتئمُ روي المُثَّلمة . كأن هذا ال"هناك" وحدهُ يضعُ نهايةً لهذا الطلاق القاسي ، لهذا الإنفصال الباهض الثمن للجسدِ المُرَحَّلُ عن مكانه.

 

(4)

في الحجرِ صمتٌ . في الشجرة مجاورة العمود الحجري سردٌ لا ينتهي. " ذاتٌ "، مرة أخرى ، منطقةٌ واقعةٌ بين الصمت والكلام ، بين الشذرات المبعثرة ، والسرد الذي يبتغي كمالهُ.

 

(5)

هذه المرة أحاول القبض على لحظةٍ ليست هاربة بقدر ما هي ملأى بما لا أجده في المدينة حيثُ أطوفُ في الشوارع باحثاً عن حجرٍ لذكرى امّحت الآن . كأنّّ ما رأيتهُ هنا هو ما رأيت هناكْ . كأنْ لا فرق بينهما . بين اليقظةِ والنوم . خاسراً ال " هنا/ك "

هناك ليس هنا

هنا ليس هناك

كافٌ ضئيلةٌ تكفي

لإحداث الخرسْ .

 

(6)

هكذا ، وكما في كل رحلةٍ ، تنام المرأةُ التي تجلسُ قربي . " ناتاليا " ليست روسيّةً بل ألمانيةً من " فرانكفورت " . سألتْ :" إلامَ تنظرُ . ألست هنا؟" ، بعد صحوها من اغفاءةٍ طويلةٍ .أجابت: " أنت هناك ، في مكانٍ آخر" .

على جانبي الطريق ، تتناثرُ كتلٌ سود من حجرٍ ناريٍّ تصلَّبَ ، بعد ان تدفق ذات غضبٍ من فوّهة بركانٍ يمورُ  ، أتمتمُ لنفسي مجيباً " ناتاليا ": "أنت لا تفهمين ، أنا أنتظرُ لحظة انفجاري...هذا ما يجعلني غائباً ومتوقداً تماماً.

 

(7)

تخلقُ علاقةً بامكنةٍ تحيا فيها ذكرياتك القريبة ، طالما ان الذكرى البعيدة لم يَعُدْ لها مكانٌ تتنفس فيه رمادها ، هكذا إذنْ تعود الى القريب ، لكي تعوض انحسار البعيد عن مساحة الضوء.

تعيد خلق امكنةٍ لتحلم فيها و تحنُّ اليها .

 

هامش : الصور من المجموعة الشخصية.

 

نصوص أخرى